احتدمت الأصوات منذ أيام، عن يمين و عن شمال، مرة أخرى. الحقيقة، تونس صارت الآن أشبه بعكاظ للصراخ، يتنافس الجميع فيها مدللين كل عما يعتبره المصيبة/المعركة.
كشخص يمر حينا و يصرخ حينا [تونسي بحكم وقع الحياة]، يحدث أن أتوقف حين مصرخة، و إن انتفى مسبب حقيقي لها. يحدث أن تداعب مصرخة ممرا بين الأذن و الدماغ.
سار الخبر، المنفي بعدها، بأن التمثال سيعود لمكانه. و انقسم صارخون بين محتفل و مستنكر يتقاسمان نفس شدة الإنفعال.
داعبت المسألة أذني، فهاته المرة، كنت لأوافق الرئاسة أو الحكومة أو حتى نور شيبة، في ذلك. بل و أرحب ملوحا بكلتي قبضتي و مهللا لدرجة الإستبشار خيرا.
فليكن تمثالا. هذا الزومبي اللذي اقترن اسمه السنوات الفارطة بأفواه تنطق الجيف كلمات. أو هي الكلمات تصدر عنها مجيفة، لا أدري. فليكن تمثالا كابن خلدون.
من لم يسمع بابن خلدون؟؟؟
من لا يذكر، بسخرية أو ابتسامة، كتاب ابن خلدون؟؟؟
من لا يعرف أنه كتب « المقدمة »؟؟؟
ابن خلدون التمثال، السامح لكنيسة الإفخارستيين شمالا و « ساحة الإستقلال » [سفارة فرنسا. ليست مزحة] يمينا، الصورة المثال لأي كائن حي زار تونس أو مر بها. ابن خلدون الناظر عبر الشارع الحبيب إلى البحر مصب الفضلات في آخره.
من يعرف ابن خلدون؟
من يهتم لابن خلدون؟
ما حال « الوعي النقدي » المصقول في المقدمة؟؟؟
ذاك التمثال واقعا كاريكاتور ابن خلدون الحي. أكبر إهانة قد يتخيلها المتمحص في سيرة و حياة و أعمال عبد الرحمان. ذاك اللذي ذاق الخيانة في سبيل البحث عن « القرار السليم » و تخليد اسمه بذلك، ذاك المستنكف للإختلاط بعديمي الفكر و الذوق، يستحيل مجرد عنوان فارغ لمجموعة من الهساترة الباحثين عن فخر أجوف.
أي انتقام رمزي أعظم و أسلم؟؟؟
فليكن تمثالا، ذاك « الحبيب » القديم. و لننته من هذا العقم السجالي مرة و إلى الأبد. و فلتكن نهاية السجال هاته المرة لصالح أبناء من قرطجوا البلاد دون أن يكون لهم حق المواطنة. فقط للتغيير، مرة.
يعتبر العديد « الحبيب » عنوانا لهم. و يعتبره العديد ممن حرموا إمكانية أن يكونوا، أحد عناوين آلامهم المستمرة. لكل من الطرفين الحق الموضوعي في عواطفه. فقط طال تغلب أحد الطرفين على الآخر. يعلم الجميع أن بعضا من التوازن جيد بعض الأحيان.
ما التاريخ سوى غذاء للذاكرة، كي تظل بين الأجيال حية متواصلة.
فليكن تمثالا إذن، و إن كان الأمر يقتضي المليارات، فليكن. قد سارت البلاد على سكة تمر عبر محطة آتية لا صنم فيها. لا خوف.
فليكن تمثالا في الأثناء، هناك في آخر شارعه، تمر عبر مفترق ما تحت حصانه إلى نهج تركيا، أو شارع محمد الخامس، أو شارع جون جوراس. له أن يمضي الوقت باحثا عما يجمع بينه و بين هؤلاء الثلاث.
فليكن تمثالا، هناك. مادام الحاكمون (و معارضوه من ثوري تاريخي إلى متسلق انتهازي) لم يفهموا بعد أننا لم نكره البناية الرمادية بسبب « منڨالة 7 نوفمبر »، بل كرهنا « منڨالة 7 نوفمبر » بسبب البناية الرمادية.
فليكن تمثالا هناك، جنب البناية الرمادية، و ليقتسم معها ما تيسر من السباب و البصاق كلما مر أحد الناقمين.
و هم كثر.
صدقوني، هم كثر.
هكذا تصير الصورة في شارعه أوضح : ابن خلدون بين الصليب و الفرنجة كوشمة عار أزلية تذكره بما فعل بمفاتيح دمشق، و الحبيب حذو البناية الرمادية، كي يرى مدى نجاحه في …
Vous avez laissé quelque chose de solide, Mr Bourguiba. Vos « enfants » veulent vous asseoir dessus. Aux zones intérieures de vous fournir en huiles, comme d’habitude. Adorez la puanteur. Sans rancune, nous sentons la même odeur. Et ce depuis longtemps, monsieur.