فليكن تمثالا

احتدمت الأصوات منذ أيام، عن يمين و عن شمال، مرة أخرى. الحقيقة، تونس صارت الآن أشبه بعكاظ للصراخ، يتنافس الجميع فيها مدللين كل عما يعتبره المصيبة/المعركة.
كشخص يمر حينا و يصرخ حينا [تونسي بحكم وقع الحياة]، يحدث أن أتوقف حين مصرخة، و إن انتفى مسبب حقيقي لها. يحدث أن تداعب مصرخة ممرا بين الأذن و الدماغ.
سار الخبر، المنفي بعدها، بأن التمثال سيعود لمكانه. و انقسم صارخون بين محتفل و مستنكر يتقاسمان نفس شدة الإنفعال.
داعبت المسألة أذني، فهاته المرة، كنت لأوافق الرئاسة أو الحكومة أو حتى نور شيبة، في ذلك. بل و أرحب ملوحا بكلتي قبضتي و مهللا لدرجة الإستبشار خيرا.

فليكن تمثالا. هذا الزومبي اللذي اقترن اسمه السنوات الفارطة بأفواه تنطق الجيف كلمات. أو هي الكلمات تصدر عنها مجيفة، لا أدري. فليكن تمثالا كابن خلدون.
من لم يسمع بابن خلدون؟؟؟
من لا يذكر، بسخرية أو ابتسامة، كتاب ابن خلدون؟؟؟
من لا يعرف أنه كتب « المقدمة »؟؟؟
ابن خلدون التمثال، السامح لكنيسة الإفخارستيين شمالا و « ساحة الإستقلال » [سفارة فرنسا. ليست مزحة] يمينا، الصورة المثال لأي كائن حي زار تونس أو مر بها. ابن خلدون الناظر عبر الشارع الحبيب إلى البحر مصب الفضلات في آخره.
من يعرف ابن خلدون؟
من يهتم لابن خلدون؟
ما حال « الوعي النقدي » المصقول في المقدمة؟؟؟
ذاك التمثال واقعا كاريكاتور ابن خلدون الحي. أكبر إهانة قد يتخيلها المتمحص في سيرة و حياة و أعمال عبد الرحمان. ذاك اللذي ذاق الخيانة في سبيل البحث عن « القرار السليم » و تخليد اسمه بذلك، ذاك المستنكف للإختلاط بعديمي الفكر و الذوق، يستحيل مجرد عنوان فارغ لمجموعة من الهساترة الباحثين عن فخر أجوف.
أي انتقام رمزي أعظم و أسلم؟؟؟
فليكن تمثالا، ذاك « الحبيب » القديم. و لننته من هذا العقم السجالي مرة و إلى الأبد. و فلتكن نهاية السجال هاته المرة لصالح أبناء من قرطجوا البلاد دون أن يكون لهم حق المواطنة. فقط للتغيير، مرة.
يعتبر العديد « الحبيب » عنوانا لهم. و يعتبره العديد ممن حرموا إمكانية أن يكونوا، أحد عناوين آلامهم المستمرة. لكل من الطرفين الحق الموضوعي في عواطفه. فقط طال تغلب أحد الطرفين على الآخر. يعلم الجميع أن بعضا من التوازن جيد بعض الأحيان.
ما التاريخ سوى غذاء للذاكرة، كي تظل بين الأجيال حية متواصلة.
فليكن تمثالا إذن، و إن كان الأمر يقتضي المليارات، فليكن. قد سارت البلاد على سكة تمر عبر محطة آتية لا صنم فيها. لا خوف.

فليكن تمثالا في الأثناء، هناك في آخر شارعه، تمر عبر مفترق ما تحت حصانه إلى نهج تركيا، أو شارع محمد الخامس، أو شارع جون جوراس. له أن يمضي الوقت باحثا عما يجمع بينه و بين هؤلاء الثلاث.
فليكن تمثالا، هناك. مادام الحاكمون (و معارضوه من ثوري تاريخي إلى متسلق انتهازي) لم يفهموا بعد أننا لم نكره البناية الرمادية بسبب « منڨالة 7 نوفمبر »، بل كرهنا « منڨالة 7 نوفمبر » بسبب البناية الرمادية.
فليكن تمثالا هناك، جنب البناية الرمادية، و ليقتسم معها ما تيسر من السباب و البصاق كلما مر أحد الناقمين.
و هم كثر.
صدقوني، هم كثر.
هكذا تصير الصورة في شارعه أوضح : ابن خلدون بين الصليب و الفرنجة كوشمة عار أزلية تذكره بما فعل بمفاتيح دمشق، و الحبيب حذو البناية الرمادية، كي يرى مدى نجاحه في …

Vous avez laissé quelque chose de solide, Mr Bourguiba. Vos « enfants » veulent vous asseoir dessus. Aux zones intérieures de vous fournir en huiles, comme d’habitude. Adorez la puanteur. Sans rancune, nous sentons la même odeur. Et ce depuis longtemps, monsieur.

bourguiba

جمهورية ولا مملكة ولا سجن ولا حديقة حيوان؟؟

11 سنة لتالي، ما كونكتاش و ما كتبش. و من وقتها قعد السؤال معلق : جمهورية ولا مملكة ولا سجن ولا حديقة حيوان؟؟؟
وقتها ما فماش ثورة، و وقتها ممنوع تحاول تشوف و تنطق. تي ممنوع حتى تعرف اللي « التونسي » مشا، سرح على روحو.
جات الثورة، و بدينا نكتشفو.
الإجابة طلعت أصعب م السؤال.
الحكاية طلعت فريجيدار قديم معبي خضرة لايثة، يمشي و يقص الضو عليه.
الحكاية طلعت سلوم معلق بين هوا و فضا، بين فو پلافون و سقف.
الحكاية طلعت « اللي ما عنداش يهز بلاش و يخلص مبعد، و اللي عنده يهز بلاش و ما يخلصش مبعد ».الحكاية طلعت « سيرك عمار »، أما الأدوار مبلبزة، الصيد كلب و الحمامة طربوشة، السحار شبكة و الدب كسرونة. ما فما كان عمار واضح شادد بلاصتو حاشي بلحوحو في الميكرو : »قداشنا ما احلانا » …
« أتعرفين ماهو الوطن يا صفية؟؟؟ » « قرب هاك الكانون و يزي م الدوة، يعطك دنية » …
كل عام و انت بخير يا لخو.

Zouhair-Yahyaoui (Copyright Fhimt.com)

مسيرة، و ضد الإرهاب؟؟؟

مسيرة ضد الإرهاب، مرة أخرى، لواه؟؟؟
ياخي كي باش يمشيو عباد في الشارع و يغردو « وووه وووه، تونس يا حبيبتي، غدروك الخراوات »، الإرهاب باش يكرز و يمشي يروح ؟؟؟
ولا لازم نقولو لرواحنا اللي احنا قاعدين نعملو في حاجة ؟؟؟ أي حاجة، اللي يجي، المهم هانا عملنا حاجة.
يا أخي، كي هو كتب علينا ربي، ماهو من غير حشوات. موش لازم « الهيلمان » متع « نتحداو الإرهاب »، على خاطر تحدي الإرهاب ما يجيش هكايا. تحدي الإرهاب يجي على زوز أصعدة : الإرهاب اللي « سيديجا »، هذاكة لازم نفصلوها معاه، و الحل ما عاد ينجم يكون كان أمني، مادام وصلنا للإعتداء على التراب. أما حل أمني صحيح، موش متع « بوتلوفة » و « هاو م القضاء » « لا م البوليس ». و الإرهاب اللي في الثنية، و هذا يتم بالقضاء على « محفزات الإرهاب المباشرة » (ع الاول كنت باش نقول الأسباب، اما تفكرت اللي ما فماش شكون قادر يعطي إجابة سليمة في غياب دراسات إحصائية و سوسيولوجية محترمة)، عن طريق دعم مقومات الانتماء لحلم « العقلاني المشترك »، و توفير « معنى للحياة في الوطن » أكثر و أكثر.
يقول قايل اللي المسيرة على خاطر « الوحدة الوطنية ». « لازم نوريوهم اللي أحنا يد وحدة ». ما ظنيش كان باش يبداو يستناو فينا قدام البرلمان ولا في الآفنو. تحب توري حاجة للدواعش، لازم توريهالهم في نطاقهم. أما « الوحدة الوطنية » راهي حاليا غير ممكنة سياسيا. الناس الكل مازالت تحندر في بعضها، من شيرة، و من شيرة أخرى فما مكونات سياسية ما عملتش نقدها الذاتي (على الأقل) لمساهمتها في صناعة الوضع الحالي الغير سوي.
يقول القايل « لتطليع المورال للناس اللي قاعدة تحارب ». أيه، هذا لازم و مستحب. أما هذا يصير في حكاية موجهة مباشرة للي قاعدين يحاربو، عبر مكان رمزي عندو علاقة مباشرة بيهم.
موش البرلمان، ولا قهوة الأونيفار، ولا قصر الحكومة ولا قصر قرطاج هوما اللي لازم يطلعلهم المورال، أما المؤسسات « المسلحة ». جنازة وطنية شعبية للشهداء، ولا لمة نظيفة قدام إحدى الثكنات، ولا أي حكاية منظمة قدام مؤسسة في علاقة مباشرة.
في تونس، لحد الآن، مازلنا في طفولة عاطفية في التعامل مع الأشياء. لا محالة ماناش وحدنا في البهامة هاذي. ما نحبوش نستعرفو اللي خايفين، وهو أمر معقول. أما الموت على يدين إرهابي ماهوش الخوف الأكبر. موت الأحباب و الأصحاب على يدين إرهابي هو الخوف الأكبر متع التونسي، و العباد تحب تهبط تصيح و تعيط، موش « ضد الإرهاب »، أما ضد ها التهديد النفسي. باقيه لوغة، و واحد م الناس عندي مشكلة مع ها اللوغة اللي ما تسميش الحكايات باساميها.
نكتب في الشي هذا على خاطرو في مخي، هكا نشوف فيه. نعرف اللي هو « دون أثر ملموس »، و اللي باش تهبط مسيرة، و اللي باش يصير تنبير على تعبيراتها الغالطة. و تعبيراتها ما تنجم تكون كان غالطة على خاطر جات بمنطق يكوع. و نعرف زادة اللي مازالوا مسيرات « الأحرار و الأحرارات » اللي باش يفرغو فيها الناس إحساس « اغزرولي يا أصحابي و احبابي، راني أتألم و أتكلم على خاطر المشترك اللي ضامنكم و ضامنني ». على قد ماهو مفهوم، على قد ماهو حفران في البحر.
و قبل ما نوفى، يمكن آخر تعريج على حكاية السيلفي (و مازالو سلفيات أخرين جايين، باش يبدا فيبالنا. الواحد ما ينقبش عينو بالغربال، هذاكة الموجود عنا توة، و هذاكا باش قاعدين نحاربو، و ما يمنعناش أنا نشيرو لموقع الخطأ و الفعل غير السليم). الاستنكار مفهوم، كيما استنكار الاستنكار متوقع. واحد م الناس جاوبت على العديد من « مستنكري الإستنكار » اللي دوروها « ياخي تشوفو في رواحكم ولاد قحبة ع اللي يحاربو؟؟؟ تي هاكم بايتين في الدفا ورا الأورديناتور » (تقول السيد قاعد يكتب ع الشطاير في طمبك المواجهة)، باعتبار انو ان كان احساسهم مفهوم فإنو التعبير مخطوء منطقيا (ترجع غلك ع اللي قهرك موش ع اللي ما عندوش دخل)، فما حاجة ريتها تتكرر عند المستنكرين، و اللي نعتبرها خطأ في المنطق. العديد م المستنكرين استسهلو إقامة پارالال مع داعش في حكاية التصاور. و ها المقارنة لا تجوز منطقيا، على خاطر من شيرة عنا تصرفات فردية غير ممأسسة، المؤسسة العسكرية الرسمية تستنكرها و تتعامل معاها كخطأ عسكري (باش ما نهولوهاش بكلمة جريمة، اللي ما تتسمعش بمعناها التقني بل بمعناها الإجتماعي)، و من شيرة أخرى عندك ناس كي تقتل و تنكل و تصور تعمل هكاكة بطريقة ممأسسة و معتمدة في الخطاب و الفكر الرسمي متاعهم. تنجم تلقا دعشوش ما يحبش يصور الذبحان أما يصور و يوزع و ينشر التزاما منو بالمشترك اللي عندو مع الذات الجمعية متاعهم، و استحالة تلقا جندي تونسي (ولا عون أمن زادة، مهما بلغت درجات التصادم، سابقا و لاحقا) ينكل و يصور تطابقا مع ما تعتمده المؤسسة اللي تعبر ع « المشترك الرسمي ». منطقيا، المقارنة لا تستقيم بين اللي كي يعملها يتعاقب، و اللي كي يعملها يترقى.
و بالله خلي نفصلوها مع كلمة « داعشي من داخل من داخل ». راهو أهم حاجة تميز الداعشي هو قرار و ممارسة القتل و التنكيل السهل و الأعمى كسياسة تعامل و كمنبع شرعية مباشرة لا إنسانية فيها. التعبير، الحديث، « الزلقان »، « الإندفاع العاطفي »، هاذوما بكلهم لا علاقة. تبرير الإنسان لوحشية الإنسان ماهوش علامة داعشية، ولا نازية، ولا فاشية، بل هو ممارسة تعبيرية قديمة قدم حمق الإنسان.
الحاصل …

هنا قاعة العمليات.

من تونس، هنا قاعة العمليات. كلما تحتدم الأمور، هنا هو المكان الخطير حيث كل شيء يدور.
من تونس، هنا قاعة العمليات. و هنا، يمنع التدخين منعا باتا. فالحفاظ على اللياقة البدنية أمر حيوي الأهمية ، لأن الشأن جلل، و مهمتنا هنا خطيرة.
قد تكون أعقد المهام و أطرأها، كما هو الحال اليوم، و كما يمكن أن تكون أكثر يوما ما. من يدري. فنحن أهل الجنوب نحمل جينا من الجنون، لا يمكن توقع تخبطه من شمال أو يمين.
هنا خرائط حائطية قديمة. لا خوف، فنحن من هنا حادو البصر. و إن تمزق الحرف عن الورق، فلا ضرر.
هنا الأوراق في كل مكان. تخيلوا عملية دون جدول حضور مطبوع حاضر؟؟؟ تخيلوا عملية دون أن يكون طابع التأريخ حاضرا؟؟؟ كانت الدولة لتنهار حينئذ. عملية بلا مرسوم و طابع و مكتب ضبط و مكتب ربط و قهوة فيلتر و طابع سكر؟؟؟ كانت تكون الكارثة.
هنا قاعة العمليات، هنا تونس. لا تخشوا فالمكان محاصر. بل مجهز. البراد كي لا تنتقص ادمغتنا الزلاليات و السكريات و النشويات المعينة على التفكير و التمحيص كلما اقتضى الأمر ذلك. العقل السليم في الجسم السليم. و التدخين هنا ممنوع، و طباعة الأوراق و توزيعها و دمغها و رسم الطابع فيها رياضة تدير الدم في العروق. و قبل الطباعة، تأتي الكتابة. هنا قاعة العمليات، هنا قاعة الكتابة. هنا نحارب الإرهاب بالكتابة. من قال أن الجيش لا روح إبداعية فيه؟؟؟ سنحاربهم بالفن …

هنا قاعة العمليات. هنا حرب حقيقية.

9a3t_3amaliyete

حزب الوعي الفيراجي

أحد أعتى المشاكل اللي تعترضنا، في تونس و غير تونس، هو « الوعي الفيراجي » في التعامل مع الأمور ذات الطابع السياسي. و يمكن حكاية « حزب الله » الأخرانية سيمتوماتيك، و فيها المكونات التامة متع الحكاية هاذي.
الوعي الفيراجي هو هاك الوعي اللي ما ينجم يشوف كان « معايا ولا ضدي »، و باقي الحديث مجرد تلصيقات صياحية و حكايات مختلقة. الوعي الفيراجي هو اللي يجعل من الآخر المشكلة الوحيدة و الكبرى اللي كيف تتنحى ، تتنحى الهموم الكل. الوعي الفيراجي يرتكز على اسطورة متع علوية مسبقة مقارنة بالآخر : ع الدخلة خير منو و انظف منو و اشرف منو.
الوعي الفيراجي حاجة مفهومة في بلاصتها. تنجم تخرج في إطار عرك حكت فيه الركب، و قدام واقع العنف التجريد العقلي يتبسط ع الاخر لزوز اطراف. التقسيم هذا ينتهي بانتهاء العركة، على خاطر التقسيم جابتو العركة، موش العكس. أما يولي غير مفهوم وقت اللي نحكيو على السياسة، اللي هي في الأصل تفكير في « الأسلم للفعل »، وسط عديد النظريات حول الحياة و معناها و الإنسان و كيفية التعامل بيه و معاه، و غيرها. هذا في الأصل، و هذا علاش فما سياسة. الوعي الفيراجي ما ينجم كان يشوه مسار البحث عن الحلول كي تبدا في بلاصة كلها مشاكل.
أكثر حاجة ما ينجمش « الوعي الفيراجي » يستحملها، هي « المراوحة » و « التنسيب » و « حطان كل حاجة في بلاصتها »، كيف يقتضي الأمر بإبداء موقف. ينجم يستحمل خطاب كره مقابل فيراجي الطابع، لأنو من غادي يزيد يستمد شرعية، و ينتج للي مقابلو شرعية، في عجلة عدمية لا متناهية. حطان كل حاجة في بلاصتها ما ينجم كان يوجع مخ الفيراجي. على خاطر أهم حاجة في الوعي الفيراجي هو السهولة. من غاديكة يبدا كل شي و من غاديكة الطاقة العجيبة اللي تتغذا منها الحيوانات الفيراجية. الإنسان كسول بطبعه، و أنك تفكر هو مجهود عضلي يتطبق ع الدماغ. نوع متع رياضة يومية. أنك تفسر كل شيء ب « إله مقابل شيطان » أسهل، و كل واحد إله نفسو و يعرف روحو ماهوش الشيطان. هو باش الواحد يستعمل الألفاظ السليمة، ماهوش أسهل بقدر ماهو « أقل مجهود ». أنك تغسل سنيك أسهل من أنك تهز روحك و تمشي لدونتيست. أنك ما تغسلش سنيك، أقل مجهود. نفس الشي بالنسبة لعضلة المخ. و اللي تولي تنشط في الوعي الفيراجي لاجتراح السباب و الكليشيهات كرد فعل على جرح التنسيب.
و بالنسبة لحزب الله، نهار اللي نشوف بطاقة انخراط « الله » تو نحكيو. يحكيو باسمو و ميم پا عضو في المكتب السياسي …

عن الحوار المزمع عقده مع الكناطرية، وجهة نظر مختلفة.

المرة هاذي، عكس ما يمكن توقعه من « مدون ثورجي يساروي إرهابي »، فما قرار حكومي عجبني. أنا بيدي استغربت من ردة فعلي أول ما قريت اللي سي محسن حسن [أو (م+1).حسن بلغة الرياضيات، اللي تبانلي أبسط و أوضح، أما هذا موش موضوعنا للأسف] أعلن عن نيتو فتح حوار مع كبارات الكونطرا. هو الحق، عندي بعض المؤاخذات الكبرى، أما ما تجي شي قدام أهمية الخطوة. و مؤاخذاتي لا علاقة بموجات الانتقاد، على خاطر ما نشوفش علاه الإقتصار على كبار الكناطرية. استغربت ردة فعلي، و قعدت نحكي مع مخي، و قعدت نشوف في الحكاية  إيجابية في مجملها. و قعدت نتبع في آراء الجميع، اللي كل واحد ركز على جانب مبدئي في دولة القانون و المؤسسات و كذا.

كيفاش نشوف فيها إيجابية؟؟؟ الساعة قبل ما نبداو نحكيو، هات نتفاهمو في حاجة. الجماعة اللي شادين ريوس الحكم التصريفي متع تونس جايين من أربعة أحزاب : ناس من حزب مقتنعين أنو فما شكون باش يقتلهم و يحبسهم و لابدين إلى أن يأتي، يا إما المهدي المنتظر ولا ما يخالف ذلك، و ناس مقتنعة اللي هي الحل على خاطر هوما ماهمش الاخرين و تونس تشبه لـ »تونس 7″ كرخ من كرخ، و ناس مقتنعة اللي ما عندكش علاش تكرز، اعمل حملة « كوم » و بدل العقلية و حل صفحة ع الفايسبوك توة ماكدونالدس يجيو يعملولنا حلول، و جماعة موش مقتنعين بشي أما داخلينها بثلاثة مكونات : قوة الفلوس، صحة الابدان و الصلاة ع النبي. سي (م+1).حسن ينتمي للمجموعة الرابعة. هاذوما هوما الناطقين باسم « تونس الرسمية »، تونس الـ »3000 سنة حضارة، م الزيتونة للمدفونة ». الناس هاذوما، ع الدخلة، ما ينجمش انسان بعقلو يتوقع منهم شبهة رؤيا متع فهم مشاكل المجتمع التونسي، خلي يا يلقاو حلول (الشي اللي قاعدين يخلصو عليه بالملاين، من فلوس ملمومة من عند الجميع). هوما على رواحهم و « تونس الأخرى »، تونس متع الـ »3000 سنة قذارة » على روحها.

الفازة اللي نشوف فيها مهمة هي رضوخ « تونس الرسمية » عبر أحط ما فيها [جماعة قوة الفلوس] أمام « تونس الأخرى ». اعتراف رسمي نادر الحصول في التاريخ، كارج أطر الإدانة و التجريم و التهميش خارج نطاق « المقبول الرسمي ». صحيح الاعتراف جا مع ناس ما يقلوش انحطاط، و هم مطبقو مقولة « ريسكي و جعل و غوص، و آش عليك في الباقي ». كي تجي تشوف الزوز يتناظرو و يتقاسمو نفس الأخلاقيات، لذا فمن المنطقي يتقابلو. و موش كان في الظلمة و بالريسك. ال3000 سنة حضارة تعترف أخيرا بقذارتها. ما ننجمش نطفي نقطة كيف هاذي.

نعرف اللي العديد معترض بداعي « الإقتصاد ». أما الساعة، ياخي عنا اقتصاد في تونس؟؟؟ تي ما عناش فكرة واضحة لا على مواردنا، لا على مداخيلنا لا على مصاريفنا، و لا على تاريخية هاذوما الكل السنين اللي فاتو. ضباب في ضباب. و لا عنا عجلة إنتاج واضحة و مريڨلة، اللي تتلفتلها تلقاها يا ملفقة و عدها باش ترخ، و إلا عايشة و تكوع، قرض يغطي في قرض. عنا تاريخ م التمليخ و التلفيق و التبلعيط المتراكم، و اللي ما عادش يخدم عندو سنين. كان باش نقعدو واحلين في ماكينة موتورها ميت، عمرنا ما باش نلقاو حل. تي المشاكل نفسها ماهيش واضحة، لا في مجملها ولا في تفاصيلها، بينما أعراض ها المشاكل الإجتماعية واضحة : بطالة، تفشي اليأس، انحباس الأفق، ثقافة خمول باقية و تتمدد. لا الإشتراكي ينجم يلانصي حكاية و لا الليبرالي ينجم يلانصي حكاية. بينما الكونطرا قاعدة تسمح للعديد بالعيش، يا إما بالعمل في إحدى نطاقات الكونطرا، و إما بتوفير مواد بكسة الثمن و متاحة للإستهلاك. على خاطر الناس، في تونس الأخرى اللي تاكل في « اللاإقتصاد » في لحمها، لازمها تعيش. و الناس هاذيكة إنتاجها اللي قعدلها، بعد تسكيرة « لا مكينة اللاإنتاج » على دوائر و عائلات معينة، هو تكتيك الزطلة و الكونطرا.

من جيهة أخرى، « أمراء » القطاع هذا القدم كانوا مرتبطين عضويا بحواشي بن علي، و قبل 14 كانت الفلوس تتعدى للبنوك و تتبيض في مشاريع الـ »3000 سنة حضارة ». بعد 14، القدم لبدو مدة، و طلعو ريوس جدد، و اللي هذا يلعب على درابوه، و اللي خلط الأول صحة ليه. مازال الوقت ما سمحلهمش لا باش يتلاطخو في بعضهم، ولا باش يتكتلو مع بعضهم. و في الأثناء سيولة تدور و تسرح، الله أعلم كيفاه، الله أعلم وين، من غير حتى ما تتحسب و ما يتم التعامل معاها كمعطى للتخطيط، في بلاد تعيش شلل إقتصادي.

بالنسبة للي يرا فيها « تعامل مع الجريمة »، من غير تذكير بتاريخ تونس الرسمي القائم على جرائم، لتوة لم يتم الإعتراف الرسمي بها كجرائم تجاه « تونس الأخرى »، و هوني نحكيو على ارزاق مفكوكة، عايلات محطمة، بشر معذبين و مقتولين و مقموتين في حياتهم. لهنا، هات كيف كيف نتفاهمو في حاجة : منظومة الإقتصاد المنظم النظيف وارثينها على العكري متع عام ككح. و بعدها، كل حكاية م الحيط تابعة نبزية روسيا و اماريكيا في الحرب الباردة تبردل كل ماهو اتفاقات في المنطقة. زعماء المغرب العربي، تبارك الله عليهم، ما فالحين كان في هذاكة عشرات السنين. ما تم تجريمه في منظومة الإقتصاد المقبول لدى المجموعة، لاهو من صيرورة المجتمع و لا من واقعو التاريخي، بل نتيجة تاريخ معقد و متشابك من الإسقاطات و الإرادات الفردية النزوية.

يقعدو الناس اللي موش عاجبهم كيفاه الدولة رخت و مشات تتعامل مع من اختار طوعا عدم احترام الدولة. شخصيا هاذيكة من أكثر الحاجات اللي شايخ عليها، لأني نعتبر أنو كل وين تعري الدولة حقيقتها، كل وين توضاح الرؤيا، و يوضاحو الحلول. ماو قلتلكم م الاول « ثورجي يساروي إرهابي ».

يزينا ما عشنا أفلام. نغزرو لواقعنا خير. و واقعنا، للأسف، أمورو موش ولابد، باش نكونو متفائلين.

Delenda Carthago

باسم قرطاج و نصرها الموشك، أمر آميلكار برقة باحترام بعل في إرادته الحقيقية. و بعل، خلاف رب إبراهيم، لم يكن يختبر حين طلب الرضع الذكور أضحية، لم يرسل كبشا، ولا أشهر ابتسامة « الكاميرا الخفية » في آخر لحظة. حين نضبت الخصوبة عن قرطاج، تحيل القرطاج و أخفوا أبناءهم.

لا ريب أن بعل القزم شبع لحما طريا. كما أن لقرطاج العزة. ولا عزة دون هؤلاء الذكور.

أتت روما. أو هي قرطاج ذهبت. اختلفت روايات « من بادر ». انهزمت قرطاج. و لم تختلف الروايات. هزيمة أولى، و عبر صمت الجميع كان بعل هو السبب. و انصب الجميع بحثا عن منقذ يدرؤ بعل و روما. « شوڨن » قرطاج هازم الروم. فكان أميلكار، أمير الحرب الثانية. و انهزمت قرطاج مرة أخرى. أكان الذنب ذنبه؟؟؟ أكان الذنب ذنب من أمروه و آمنوه قائدا؟؟؟ قطعا. فلا ذنب لأحد، و الذنب ذنب الجميع. هو غضب بعل اللذي لم يحترموا إرادته الحقيقية منذ عقود. غضب الإله أعمى، يقتل عماه أبصار العقل. صدح آميلكار بهذا الواقع المر، أمام إعجاب الجميع بعمق شجاعته في الإنحناء أمام إرادة بعل. لم يكن أحدي يجرؤ علي إخراج سكينه نحو رقبة ابنه. إلى أن تقدم آميلكار في محراب المعبد واعدا أن يبدأ الأنذار، إلى عز قرطاج إلى مجدها …

ثم جاء حنبعل. و آميلكار المقدام ليس سوى قرطاجي بين آخرين. لا شجاعة عنده أكثر من غيره. حنبعل ابنه، لحمه، دمه، حامل قرطاج بين عينيه، امتداده الحي المتحدي للموت.

تقدم آميلكار لمحراب المعبد، ماسكا بين يديه رضيعا أسمر لا زرقة في عينيه. « هذا الرضيع لعبدتي. و ما لعبدتي لي. فهو كما ابنها، ابني إذن. و ها أني أضحي به لك يا بعل » … سالت الأنهار حمراء لامعة، بين حبات التراب الأسمر، متخثرة في شبه مستنقع صغير هنا، صانعة لرغى عجيب، على حافة الكافورة العجوز، يتلاسن فيه الأبيض المزبد بوردي قان الحمرة.

ضحا الجميع.

و من لم تكن عبدتك، دون أن تكون عبدة أحد، هي عبدتك، و ابنها إبنك.

و من لم يكن عبدك، دون أن يكون عبد أحد، هو عبدك، و ابنه ابنك.

و من لم يكن قرطاجي النسل و السلالة، فهو عبد، و بعل ربه، و إن لم يعلم ذلك.

و من لم يضح جدوده لعقود، فدا أضحياتهم بتمامها.

و من ألحد ببعل دهورا، آمن به.

ظل لحنبعل اسمه المحمول على ظهور الفيلة. و تواصلت طاعة القرطاجيين لبعل. لم يغفلوها ولو سنة.

لم يكن للأضاحي اسم، و لا معنى. لم يكن، لآبائهم أن يصيروا قرطاجيين. كانوا كالأبناء، زمن خروج النسل من الغمد نحون الأورطي.

و انهزمت قرطاج مرة أخرى.

باسم اللذين لا إسم لهم، سيواصل من نجحوا في النجاة زراعة الملح على قرطاج، تأجيجا لجمال الكافور العريق.

الآن، و بعد آلاف السنين، تسقط قرطاج مرة أخرى. باسم من لا إسم له، في التاريخ و الحاضر.